المادة    
  1. أساليب الدعوة بين الاجتهاد والتوقيف

     المرفق    
    السؤال: هل الدعوة إلى الله مقتصرة على هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه والسلف الصالح، أم كل أسلوب محبب إلى الناس ندعو عن طريقه إلى الله؟
    الجواب: لا بد أن يكون كل أسلوب في الدعوة إلى الله موافقاً لما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما كان عليه السلف الصالح، أو ما أرشد إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أقره... ولا تعارض بين أن يكون هنالك أساليب جديدة أو محببة ندعو بها إلى الله وبين أن يكون على ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن اتباع منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة إلى الله ليس مجرد أن نقول نفس الألفاظ التي قالها، أو نتصرف نفس التصرفات التي فعلها؛ وإنما نقتفي منهجه.
    فمن أمور الدعوة ما هو موسع فيه؛ فنحن أُمرنا بالبصيرة، وأُمرنا بالحكمة، وأُمرنا بالمجادلة، وهذه أمور موسعة؛ لأن الوقائع لا تنتهي، والزمان يتغير، والأحوال تختلف؛ ولكن في حدود ذلك المنهج المرسوم، فلا نتعداه ولا نخرج عنه؛ فنجدد ولكن في حدوده، ونغير ولكن في إطاره، ولا نخرج عن ذلك أبداً.
    فإذا جاء إنسان بمنهج فيه بدعة، قلنا له: هذا المنهج مخالف لمنهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما فيه من البدعة، لا لأن فيه أسلوباً ما دعا به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأن يكون هناك وسائل إعلام تختلف عما كانت عليه في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من صحافة أو إذاعة مثلاً، أو كأن يكون هناك نوع من تجمع الناس يختلف عما كان في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فهذه الأمور التي هي تبع للأزمان ولاختلافها تدور مع المصالح؛ ولهذا يسميها العلماء المصالح المرسلة؛ أما الصميم والهدف، حتى في الأسلوب أي: في الأساسيات، فلا خروج عما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحال من الأحوال، وليس تحبيب الناس هو الهدف؛ ولكن الهدف هو أن يقبلوا على الحق؛ سواء كان هذا بطريق يحبها الناس أم فيها بعض المشقة.
    فما دمنا منتهجين منهج الحكمة؛ فهذا -إن شاء الله- سيؤدي إلى ما نريد؛ أما منهج التحبيب أو التحبب؛ فكلمة عامة؛ فقد يتحبب بعض الناس إلى الناس بالتساهل بأمرٍ من الأمور، أو بالتظاهر بأنه لا يتمسك بالسنة كاملة ولا يطبقها؛ حتى يقول هؤلاء الناس: هذا يألف ويؤلف، وأمثال ذلك مما قد يكون فيه شيء من التنازل عن الحق.
  2. ارتباط الجهاد بالدعوة

     المرفق    
    السؤال: هل الجهاد في سبيل الله مرتبط بالدعوة إلى الله؟ أم أن هذين العملين الصالحين منفصلان؟
    الجواب: إن الجهاد إنما يكون لأجل الدعوة، وهو أحد وسائل الدعوة، فإذا تجرد الجهاد عن ذلك، كأن كان الجهاد من أجل الأرض -عياذاً بالله- أو من أجل التسلط والحكم والتحكم، أو من أجل أي غرض آخر؛ فإنه يخرج عن صفة الجهاد الشرعية بمقدار ما يخرج عن المنهج الصحيح؛ وهو أن يكون لإعلاء كلمة الله، ولا يكون فيه غرض لذوات المجاهدين؛ فإذا كان الغرض لذات المجاهد، كأن يجاهد ليحكم -مثلاً- أو ليصبح زعيماً أو يجاهد ليحوز مالاً؛ فهذا الذي ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه المجاهد المرائي، الذي يؤتى به يوم القيامة فيقال له: لم جاهدت؟ فيقول: فيك يا رب، فيقال: كذبت؛ إنما فعلت ليقال كذا وقد قيل، ويؤمر به فيسحب إلى النار.
    وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث القدسي عن ربه عز وجل: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي غيري تركته وشركه} فحتى الجهاد -مع أنه تضحية بالنفس وتقديم لها- لا بد أن يكون خالصاً لوجه الله، ومن أجل توحيد الله، وإقامة دين الله ولا حظ للنفس فيه؛ وإلا فإن الشيوعيين والملحدين والقوميين وكل أنواع المجرمين في الأرض، يقاتلون ويقتلون من أجل المبادئ التي يدعون إليها، وكل أنواع المحتلين يقاتلون ليرفعوا الاحتلال عن بلادهم فإذاً: لا بد من الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    وهدف الجهاد هو هدف الدعوة، فهو كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له} فهو يدعو إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويجاهد من أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له، ولهذا لا يرتبط الجهاد الذي هو جهاد الطلب وجهاد الدعوة، بأرض معينة، ويجب أن نفرق بين جهاد الدعوة والطلب، وجهاد الدفع.
    أما جهاد الطلب والدعوة فهو كما قال تعالى: ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ))[البقرة:191] فالمؤمن يجاهد في سبيل الله كما جاهد الصحابة الكرام في أي مكان؛ لإقامة دين الله ومن أجل الدعوة إلى الله.
    فلما ضاقت الحيلة بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في مكة، هاجروا إلى المدينة؛ ففي أي بلد يمكن أن تقيم فيه دين الله، فلتكن دعوتك وليكن جهادك، ولا يرتبط بجهة معينة.
    أما جهاد الدفع: فهو إذا احتل الكفار بلداً من بلاد المسلمين وسيطروا عليه؛ فإنه يجب على أهل ذلك البلد أن ينفروا لدفعهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وهذا جهاد آخر غير جهاد الدعوة والطلب.
  3. اختلاف أسلوب الدعوة بسبب اختلاف الأحوال

     المرفق    
    السؤال: كيف يدعو الإنسان في بيته، وبين والديه، وبين أقربائه، وفي مدرسته؟
    الجواب: الدعوة لا تختلف في مكان عن مكان إلا بحسب اختلاف البيئة؛ فالهدف لا يختلف، والأسلوب لا يختلف؛ لكن من شخص إلى شخص ومن مكان إلى مكان تختلف الدعوة بحسب ذلك الإنسان؛ فدعوتك مع الوالدين، تختلف عن دعوتك مع غيرهما؛ لأن الوالدين لهما حق علينا؛ كما بين سبحانه: ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)) [لقمان:15] فلا يجوز الإعراض الكامل عنهما.
    فلو أن شاباً من الشباب أبوه من أهل الشرك والضلال والدعوة إلى البدع والشر والإجرام؛ فعلى هذا الشاب أن يدعوه وأن ينصحه، لكن مع ذلك لا بد أن يعاشره بالمعروف، كما قال سبحانه: (( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً))[لقمان:15] فلا جفوة كاملة؛ بل يظل يتودد ويتقرب إليه ويحسن عشرته ويعامله بالحسنى، ويدعو الله له، ويبذل كل وسيلة، حتى يهديه الله كما حرص إبراهيم الخليل -إمام الموحدين- على أن يهدي الله أباه، وكيف كان يدعو له كما بين القرآن الكريم.
    والزميل أو الجار يختلف عن أي إنسان عادي تقابله في مكان ما؛ فهذا الجار أو الزميل لا بد أن يكون هنالك من الحكمة ومن المداراة ومن سياسة الدعوة معه... ما يختلف عن ذلك الذي التقيت به لقاءً عابراً قد يكفي فيه أن تبين له الحق بالهدوء والأسلوب الطيب، ثم تدعه يذهب كما يشاء.
    فالتفرقة في الدعوة لا تكون إلا بحسب الأحوال.
  4. توجيه في أسلوب دعوة أهل البدع والضلال

     المرفق    
    السؤال: لدي قريب يتعامل مع المشعوذين، فنصحته ولكن دون جدوى، فتركته ولم أزره ولم أدخل بيته. فما رأيك في ذلك؟
    الجواب: إن التعامل مع الدجالين والمشعوذين من الظواهر السيئة، ومع الأسف فقد بدأت تنتشر؛ وليس ذلك إلا نتيجة لغياب الدعوة إلى العقيدة الصحيحة من وسائل الإعلام والمنابر الخاصة والعامة.
    فإذا قصرنا نحن الدعاة في دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة وبيان التوحيد وبيان الشرك وخطر الخرافات والبدع؛ فلا نستغرب أن يقع في الناس ما يقع.
    ولهذا كَثُرَ الذهاب إلى المشعوذين والدجالين مع أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حسم هذا الأمر، فقال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد}لأن مما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)) [الأنعام:59] فلا يعلم الغيب إلا الله، أو من أطلعه الله -من رسله- على شيء من الغيب.
    فأمَّا الذي يذهب لا بقصد أنه يصدق الكاهن؛ لكن كما يفعل بعض الناس، يذهب إلى بلد من البلدان للسياحة؛ فيجد أُناساً يقرؤون الفنجان أويجد سحرة؛ ومن جملة السياحة في تلك البلاد، أنه يذهب إليهم، ويعرض لهم مشكلته، ويعطيهم مبلغاً من المال على سبيل الاستهزاء ولا يبالي بأي جواب يقولونه... فهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: {من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} فأعظم الأعمال وأزكاها عند الله -إذا حسنت وصلحت- هي الصلة بين العبد وبين الله..، تنقطع أربعين يوماً إذا ذهبت إلى أي كاهن وما صدقته ولا اعتقدت صدقه، إنما من أجل الفرجة أو السياحة أو لتنظر ماذا يقول؛ فيأتي إلى الكاهن إنسانٌ جاهل ويصدقه؛ فإذا قلت له: لماذا ذهبت إلى الكاهن وصدقته؟ قال لك: رأيت فلاناً يذهب إليه.
    فنيتك أنت لا يدري بها الناس وهكذا؛ فتكون أنت ممن كَثَّرَ سواد أهل الشر.
    وأقول لصاحب السؤال: لا تهجره، وزره وانصحه ونوّع في النصيحة؛ وإن رأيت أنها لا تجدي معه نصيحتك؛ فأرسل إليه من ينفعه الله بنصيحته كأي إنسان مستقيم أو صاحب خير، كقريبٍ لك يعرفه ويثق فيه.
    المهم أن تبذل الوسيلة؛ فإن بذلت وعجزت... فإن ابن نوح عليه السلام كفر، وامرأة لوط عليه السلام كفرت، وأبا إبراهيم عليه السلام كفر، وعم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفر؛ وقال تعالى: ((ِإنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) [القصص:56].
    فتجتهد في الدعوة وتصبر، والعاقبة للمتقين، والهداية من الله رب العالمين.
  5. علاقة الدعوة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

     المرفق    
    السؤال: هل الدعوة والتبليغ هي نفسها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعنى "هل هما أمران متلازمان لا يفترقان" أم أن هناك فرق بينهما؟
    الجواب: هما متلازمان، أو نقول: بينهما عموم وخصوص، فالدعوة إلى الله، كما قال الله: (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ )) [يوسف:108] فكل عمل عمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة إلى الله، فإن أمر بالمعروف فقد دعا إلى الله، وإن نهى عن المنكر فقد دعا إلى الله، وإن جاهد فقد دعا إلى الله، وإن علم الناس العلم فقد دعا إلى الله، وهكذا كل ذلك دعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهم عظيمٌ من سهام الإسلام، وهو شعار هذه الأمة كما قال تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110] فأية دعوة لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، فقد أخرجت نفسها عن الخيرية التي جعلها الله في هذه الأمة واختصها بها، ولهذا قال تعالى: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) [المائدة:78-79] فلما لم يتناهوا عن المنكر لعنوا، وهذا الأمة لما كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كانت خير أمة أخرجت للناس.
    فلا بد في الدعوة إلى الله من ذلك، فالمنكر الأكبر هو الشرك، والأنبياء جميعاً إنما جاءوا يدعون إلى التوحيد، ونبذ الشرك، فالمعروف الأكبر هو: التوحيد، والمنكر الأكبر هو: الشرك؛ فالذي يدعو إلى الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ ثم بعد ذلك تأتى الكبائر من زنا وربا وتبرج وفواحش، ما ظهر منها وما بطن، والفواحش الباطنة مثل: الغفلة والقسوة وعدم الإيمان الصادق بالله والغش للمسلمين والحقد عليهم والأعمال القلبية الباطنية التي هي من الكبائر كالحسد والشح، فكل هذه الأعمال القلبية من الكبائر وإن كانت قلبية؛ ولكن لا بد أن يظهر أثرها على صاحبها عافنا الله وإياكم منها.
  6. المعيار الذي تقاس به الجماعات الإسلامية

     المرفق    
    السؤال: بعض الجماعات في الدعوة، هل هي على منهج الأنبياء أم على غير ذلك؟
    الجواب: نحن لا نريد أن نقول فلان وفلان؛ بل نبين منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة، والمخالفون لا يتناهى عددهم في كل زمان ومكان، ولكن الحق واحد؛ ولهذا قال الله تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [الأنعام:153] فالسبل كثيرة لا نهاية لها، لكن الحق واحد وواضح؛ فاحرص على أن تعرف الحق، فإذا عرفته فاجعله معياراً تقيس به جميع الناس وجميع الأحوال.
  7. حكم الرغبة في كثرة المستجيبين للدعوة

     المرفق    
    السؤال: إذا كان الأخ له جماعة في المسجد، أو في البيت يذكرهم بالله، ويتذاكرون في كتاب الله والدعوة إلى الله ويحب أن يكثروا، فهل هذا يدخل في قولكم لا يحرص الداعي على كثرة الأتباع؟ الجواب: حتى لا يُفهم الكلام خطأً، أقول: إننا نحب أن كل المسلمين يأتون إلى الصلاة في المسجد، وإذا قام واعظ يعظ فإنه يحب أن كل الناس يجلسون ويستمعون إليه. إذاً فالداعية إلى الله سواءٌ كان مدرساً في مدرسته، أو إماماً في مسجد، أو داعية في جماعته أو في قبيلته، كل من يدعو إلى الله على بصيرة وبالأسلوب الأمثل؛ هذا لا شك أنه يحرص على أن يستجيب له أكبر عدد، وهذا يحمد عليه؛ ولكن الذي تحدثنا عنه بأنه مذموم هو أنه من أجل الكثرة يراعي جانب الناس وجانب الاستكثار منهم؛ فيتهاون ويداهن ويجامل في شيء مما شرعه الله. فالمذموم هو المداهنة والمجاملة في أمر من أمور الدين؛ أما أن الإنسان يريد الخير لكل الناس، فنحن نطمع ونرجو ونتمنى أن يدخل اليهود في الإسلام، وأن يدخل عُبَّاد الأبقار في الإسلام، بل ونحرص على ذلك، ويجب أن نبذل الجهود لذلك، لكن لا نتنازل عن ديننا، ولا نلتقي معهم في منتصف الطريق، فنقرهم على كفرهم وعلى إلحادهم وعلى ضلالهم؛ فهذه مسألة، وتلك مسألة أخرى.
  8. حكم التحذير من كتب أهل البدع

     المرفق    
    السؤال: بعض الناس يقولون لا تحذروا الناس من المبتدعين ومن كتب المبتدعة، وأن هذا ليس بأسلوب دعوة، فما قولكم في ذلك؟
    الجواب: أما أسلوب الدعوة فقد جعل الله من أساسياته: تنـزيه الله والبراءة من المشركين.. وكل الأنبياء ما أتوا إلى أممهم إلا ليقولوا: ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) [الأعراف:59].
    فالتحذير من كتب البدع والضلالة هو أوجب من التحذير من الزنا والربا وشرب الخمر والمخدرات وأمثالها من الجرائم؛ لأن المعاصي درجات، وأعظم المعاصي وأعلاها وأشدها هو الشرك والكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ثم يلي ذلك الابتداع في الدين؛ ثم يلي ذلك الكبائر.
    ولهذا فأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتلوا الخوارج؛ بل هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أمر بقتالهم وأخبر عن ذلك؛ ففرح الصحابة -رضي الله عنهم- لما كان ذلك على أيديهم لما سمعوا من بشرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قال: { خير قتيل من قتلوه } وحين قال عنهم: { هم شر قتلى تحت أديم السماء } وغير ذلك مما وردت فيه أخبار الخوارج، وهي ثابتة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن الصحابة الكرام، ولم يقل الصحابة شيئاً من ذلك إلا عن علم من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه من أمر الغيب.
    فالصحابة الكرام قاتلوا الخوارج لأنهم ابتدعوا في الدين، فكيف نتهاون مع أهل البدع ومع كتب البدع؟! والصحابة -رضي الله عنهم- توعدوا القدرية الذين ابتدعوا في القدر فقط، وهو جانب واحد من جوانب العقيدة، وليس هو جانب الشرك، بل إن البدعة في القدر قصد أصحابها هو المحافظة على التوحيد.
    فأنكروا القدر حتى لا يحتج العصاة به، فيقولون: قدر الله، ويفعلون المعاصي.
    فكان قصدهم زيادة تمسك الناس بالأمر والنهي، ومع ذلك يقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: [[لو أمكنني الله من أحدهم لدققت عنقه]] وكان قد كبر سنه وعمي، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لما بلّغة بعض التابعين عن القدرية الذين ظهروا في البصرة، قال: [[أبلغوهم أنني منهم براء وأنهم مني براء]] فتبرأ منهم رحمه الله، ثم بيَّن أنه لا يقبل لهم عمل؛ ولو أنَّ أحدهم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً لم يُقبل منه حتى يُؤمن بالقدر، ثم ذكر لهم حديث جبريل الذي رواه عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فانظروا كيف وقف الصحابة الكرام من أهل البدع ومن أهل الضلال! وانظروا إلى تهاوننا معهم الذي أدَّى إلى أن تُباع كتب الدجالين وتوزع والله المستعان، وهذا من أسباب تفرق المسلمين، ومن أسباب تقهقرهم!! لأن المؤمنين وخاصة من الشباب المقبلين على الدين؛ لو لم يروا إلا طريقاً واحداً لاتبعوه.
    فعندما يترك أحدهم المخدرات والخمر والزنا، ويحافظ على الصلاة؛ ويريد الهداية، فيجد طرقاً كثيرة؛ فإنه يحتار أيها يتبع؛ فقد يقع في أحد سبل الضلال، فيخرج إلى الشر؛ بل قد يكون قد خرج من كبائر وجرائم وفواحش، فيقع في البدع ثم في الشرك عياذاً بالله؛ فيكون حاله قبل أن يعرف هؤلاء القوم ويقرأ كتبهم أهون وأخف من حاله بعد ذلك.
    نسأل الله أن يعافي هذه الأمة وأن يقيها شر هؤلاء المبتدعة.
  9. حكم مخالطة أهل المعاصي

     المرفق    
    السؤال: إذا جلست عند جماعة ودعوتهم إلى صلاة الجماعة، ولكنهم رفضوا الذهاب إلى المسجد؛ لأنهم مشغولون بلهو كالنظر في مباراة كرة القدم في تلفاز أو ورقة لعب، ثم صلوا جماعة في مجلسهم؛ فهل يجوز أن أرجع إليهم وأجالسهم وأتحدث معهم، أم أعتزلهم نهائياً؟
    الجواب: كِلا طرفي قصد الأمور ذميم، فلا تكون الجفوة النهائية ولا ينبغي هذا، وخاصة إذا كانوا زملاء أو أقرباء، والاحتكاك بينك وبينهم وارد، ولا ينبغي أيضاً أن ترجع إليهم -وكأنهم لم يفعلوا أي شيء- فتجلس معهم؛ بل لا بد أن تنكر عليهم وأن تحثهم على الذهاب إلى المسجد؛ ثم تعيد لهم الكَّرة بعد رجوعك إليهم؛ ثم تبين لهم الخسارة التي لحقت بهم؛ لأنهم صلوا هنا ولم يصلوا في المسجد، وتبين لهم حكم صلاة الجماعة، وتذكر لهم أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي توعد فيها المتخلفين عن صلاة الجماعة.
    فصلاة الجماعة أمرها خطير لا كما يقول بعض الناس: صلاة الجماعة سنة، أو فرض كفاية، وأضرب لكم مثالاً من الواقع؛ حتى تعرفوا أهمية صلاة الجماعة:
    في بعض الدول التي ينتشر فيها مذهب من المذاهب التي تقول: إن صلاة الجماعة سنة، تهاون الناس بالأذان وصلاة الجماعة، وحتى المساجد لم يعد لها ذلك الوقع والاهتمام -كما حصل في تركستان والأندلس وغيرها- فجاء أعداء الله إلى هذا البلد، فهدموا المساجد، ومزقو المصاحف، -وأكثر الناس لا يعلم ذلك فانقطع الأذان في المسجد، وأكثر الناس لا يهتم لذلك؛ لأن الأصل عندهم أن صلاة الجماعة سنة.
    لكن الأمة التي تعرف أهمية صلاة الجماعة وأهمية المسجد، لو جاءت في يوم من الأيام والمؤذن قد أضاع المفتاح؛ تجدها تتعجب لماذا المسجد مغلق؟! ولماذا لم نُصلِّ اليوم؟! فهذه أحست أن هناك شيئاً فُقد، وهو أنهم لم يصلوا في المسجد.
    فتجد أنهم يبذلون كل جهدهم ليبنوا مسجداً أو ليوسعوا مسجداً، ويهتمون به وبنظافته وبإمامته وبكل شيء؛ وذلك لأنهم يقدرون أهمية المسجد وأهمية صلاة الجماعة؛ ولهذا اقتطعت أطراف بلاد الإسلام التي تهاونت بصلاة الجماعة وبسهولة؛ لأن الناس لا يجمعهم جامع ولا تربطهم رابطة؛ ولأن شعائر الإسلام الظاهرة محيت رويداً رويداً حتى اضمحلت.. نسأل الله العفو والعافية.
  10. من أسباب ضعف الإيمان وعلاجه

     المرفق    
    السؤال: عندما أكون في حلقة ذكر أو خطبة، أحس بعلو الإيمان، وبالحماس للدعوة، وعندما أخرج من مكان الذكر، أحس بنقص كبير وكسل. فما الدواء؟ الجواب: هذا ما شكاه أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم لبعض، ثم شكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنحن نحتاج دائماً إلى التذكير والمناصحة، فالقلوب لا تثبت على حال... ولو أنها تثبت على حال واحد؛ لاجتهد الإنسان يوماً من الدهر أو أسبوعاً أو شهراً وعبأ هذا القلب إيماناً ويقيناً؛ ثم انطلق وهو آمن مطمئن. ولكن الحقيقة أنك ما بين لحظة ولحظة، ويوم ويوم، وفريضة وفريضة؛ ترى التغير وتحس النقص في قلبك؛ ولهذا لا بد من التعاهد، ولا نيأس ولا نقنط إذا حصل لنا هذا -كما أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه ألا ييأسوا ولا يقنطوا- فهذا أمر نسبي؛ لكن لا بد من التذاكر والتناصح، واتخاذ كل الوسائل لتقوية الإيمان من ذكرٍ لله وقراءةٍ للقرآن وزيارةٍ للمقابر وتذكر لأحوال الناس الذين مضوا إلى ربهم عز وجل، وكل ما من شأنه أن يجعل هذا القلب ليناً مطمئناً بذكر الله نسأل الله أن يجعل قلوبنا جميعاً كذلك!
  11. حكم الإنكار على أهل البدع

     المرفق    
    السؤال: أليس من الدعوة أن ننكر على أهل البدع بدعهم، إذا كانت الاستطاعة موجودة؟ وهذه البدع منها الاجتماع على قراءة القرآن في بيت الجنازة، وكذلك ما يقومون به قبل الدفن من السير به خطوات معدودة وهم يحملون الجنازة على أكتافهم، ويزعمون أن السير بها هكذا وعلى ثلاث منازل فيها أجر عظيم، وأيضاً وضع ورق شجر سدر تحت العيون أثناء إجراء الكفن، ووضع أشجار حشيش أو برسيم عند وضعه في القبر، فما حكم الشرع في كل ذلك؟ الجواب: بلى! هذا من الدعوة وهذا مما يجب علينا، ولا يجوز أن نسكت على ذلك، إنما نحاول بما نستطيع وبالأسلوب الأمثل أن ننكر. فما يقع عند الموت من هذه التختيمات وبدع الجنائز، مثله مثل كثير من البدع، وهو مما لا يجوز أن يقرَّ في المجتمع، وإن لم يمكن إلا الأخذ على أيديهم بالقوة، فلا بد أن تبلغ الجهات المختصة بذلك، ثم تتخذ منهم الموقف الصحيح بالقوة أيضاً، وإذا كان الإنسان له ولاية على شيء من هذه الأمور؛ فلا بد أن يغيرها باليد، كما لو كانت الجنازة لابنه أو لزوجته أو لمن يستطيع أن ينكر عليهم، أو كان الاجتماع في بيت أحد ممن يستطيع أن ينكر عليهم ويغير باليد، فلا يجوز له أن ينتقل إلى التغيير باللسان، إلا بعد أن يبذل جهده للإنكار والتغيير باليد.
  12. كيفية دعوة أصحاب المناصب والعوام

     المرفق    
    سؤال: كيف ندعو أصحاب المناصب، أو المتكبرين إلى الله؟ وكيف ندعو العوام إلى الله؟ الجواب: لا يوجد فرق من حيث أهداف الدعوة؛ وإنما الفرق أن صاحب الموكب الكبير أو صاحب الشأن أو صاحب المال، ينبغي أن يُدعى بما لا يشعر أن فيه احتقاراً له؛ لأن غرور الدنيا والمنصب والمال، وكثرة النفاق والمنافقين.. يجعله دائماً يشعر أنه فوق الناس. فإذا جاءه داعية ودعاه إلى الله وخاطبه بأي خطاب؛ فإنه ينفر؛ فالإنسان المؤمن المسلم الذي فيه معاصي وفيه تقصير، ينبغي أن يخاطب بالحسنى وبما يليق بمثله، ويذكر بالله، ويؤتى له من الباب الذي يقتنع به؛ فإن كان صاحب منصب فيذكر بنعمة الله عليه بهذا المنصب، وأنه إذا اتقى الله فسيهتدي من تحت إدارته أو سلطته؛ وإن كان صاحب مال يذكر بنعمة الله عليه بهذا المال، وأنه لو أنفقه في سبيل الله فسوف يحصل له الخير، وهكذا... أما العوام فلهم أسلوبهم وهو: الرفق بهم، وأن نأخذهم بالأسلوب الحسن؛ لأنهم أشبه بالقطيع من الدواب -وأكثر الناس هذا حاله- ولهذا فأهل البدع يحتوشونهم ويجتالونهم بمثل هذا الأسلوب. فلا بد أن نخاطب كل واحد منهم بما يناسبه.. مع أننا في الحالين نخاطبهم من منطلق أصول الدعوة وأساسياتها، والأهم فالأهم، فلا نتساهل ولا نتهاون ولا نقدم غير الأهم على الأهم.
  13. حيلة شيطانية لصرف الدعاة عن الدعوة إلى الله

     المرفق    
    السؤال: أريد أن أكون داعية إلى الله، وأن أكون خطيباً وواعظاً في المساجد، ولكن يوسوس الشيطان لي، وأحس ضعفاً من ناحية الإخلاص، فما الحل؟ الجواب: توكل على الله، فالشيطان يقول: لو دعوت إلى الله فربما لا تخلص؛ فهذا مثلما لو جاءك الشيطان وقال: إن صليت فقد ترائي في الصلاة، إذاً: لا تصلِّ فهل تطيعه؟ قطعاً لن تطيعه، وهذه هي نفس تلك، والشيطان له أساليب. فهذا الخبيث والعدو اللدود -من عهد آدم إلى اليوم- عنده هذه الخبرة الطويلة، وعنده هذا التمكين الذي أعطاه الله إياه؛ فهو يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويوسوس له، وكل هذا التمكين يسخره من أجل الإغواء. فيأتي إلى أحدنا فيقول له: أنت افعل الفواحش والموبقات، ولا تُصلِّ ولا تصم، ويطمئن إلى جانبه، ويأتي إلى الآخر ويقول له: اجتهد في الإخلاص وفي ترك الرياء، واجتهد في كذا؛ لأنك مراءٍ، فلا تحبط عملك؛ فإذا أقره واستيقن بذلك، قال لك: لا تقم وتدعو إلى الله؛ لأنك لو دعوت فسيكون ذلك من الرياء، ولا تظهر طاعة من الطاعات أمام الناس -وهي من الطاعات التي أمر الله أن تظهر- لأن هذا قد يكون فيه الرياء..! فيمنعه من الدعوة إلى الله؛ بل ويخرجه عن الصراط المستقيم الذي كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. فإياك وهذا العدو، وتوكل على الله، وجاهد نفسك على الدعوة، وجاهدها أيضاً على الإخلاص في الدعوة، فحياتنا كلها جهاد.
  14. حكم الدعوة إلى الله بالأحاديث الضعيفة والموضوعة

     المرفق    
    السؤال: هل الذين يدعون إلى الله سبحانه بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، موافقون لمنهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    الجواب: كيف يكونون موافقين، وقد قال الله: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) [يوسف:108]؟! فليس من البصيرة الدعوة إلى الله بالجهل، أو بالأحاديث الموضوعة والضعيفة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}، وفي رواية: {من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار} وقال: {ومن حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَين أو الكاذبِين}.
    فلا يجوز أن تدعو إلى الله بأحاديث لا تعرف صحتها، أو قصص وحكايات مما هب ودب؛ ففي كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العبر والمواعظ والقصص ما يغنينا.
    فالصحابة الكرام اتعظوا موعظة كبرى -كما في الحديث الصحيح- لما أنزل الله عليهم: ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)) [التكاثر:1-8] وما أعظمها من موعظة؛ فنحن نسمعها ونقرأها؛ ولكن أين هذه القلوب من تلك القلوب؟ وكم في القرآن والأحاديث الصحيحة من مواعظ عظيمة! أفنترك هذا ونأتي بأحاديث مختلفة أو واهية وقصص وحكايات لا أصل لها؟! فهذا لا يجوز، وليس من منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة إلى الله.
  15. العلاقة بين صحة المقصد وصحة الأسلوب

     المرفق    
    السؤال: كيف تكون الدعوة إلى التوحيد -في بعض الأحيان- على غير بصيرة؟
    الجواب: هذا قد يكون؛ لأن صحة المقصد لا تعني صحة الأسلوب.
    فقد يكون هناك إنسان يدعو إلى توحيد الألوهية والعبادة، وإلى توحيد الأسماء والصفات؛ لكنه على غير بصيرة، ولا يدري ما الفرق -مثلاً- بين ما يخرج من الملة وما لا يخرج من الملة، ولا يدري ما هو الأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله، وأين يضع الحكمة، وأين يضع الموعظة الحسنة، وأين يضع المجادلة بالتي هي أحسن، وقد يكون جاهلاً بحال المدعو، فيكلمه عن التوحيد من أحد جوانبه، وهذا المدعو واقع في شرك آخر؛ فحتى الدعوة إلى التوحيد لا بد أن تكون على بصيرة، والله تبارك وتعالى قال: (( أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ))[يوسف:108] وهذا هو توحيد الله، وقال أيضاً: (( عَلَى بَصِيرَةٍ )) [يوسف:108] مع أنها إلى الله، فلا بد أن تكون على بصيرة.
  16. كيفية تجديد العزيمة والإيمان

     المرفق    
    السؤال: في بداية الهداية كنت أدعو إلى الله بقوة، ولا أخاف أحداً، وبعد سنة أو أقل قل عزمي؛ حتى أني لم أعد أقوم لصلاة الفجر في بعض الأحيان، فماذا أفعل حتى أستعيد القوة في ديني؟ الجواب: هذا الحال كحالنا جميعاً، تعترينا القوة ويعترينا الضعف والمرض، ولا بد أن نقوي إيماننا. فعليك بتلاوة كتاب الله عز وجل، وأن تجلس مع أهل الخير الذين يقربونك من الله، وأن تحرص على أن يوجهوك، وأن يدعوك، وأن يوقظوك، واحرص على مجاورتهم، أو السكن معهم؛ لأن هؤلاء هم خير عون لك على هذا الشأن، ولا تيأس أيضاً، فقد يكون في بعض التراخي خير.. من جهة أن الإنسان يجدد العزم والهمة مرة ثانية، ويراجع تلك الهمة وتلك العزيمة وتلك القوة؛ فربما أنها لم تكن على بصيرة؛ لأن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فبعض الناس في بداية الدعوة، وأول ما يهتدي يندفع اندفاعاً شديداً، وبعد ذلك تكون له فترة، وهنا يكون الافتراق، إما أن تكون الفترة إلى السنة، فيرجع من الاندفاع إلى الاقتصار والاعتدال كما هي السنة؛ وإما أن يرجع إلى المروق -والعياذ بالله- أو إلى بدعة من البدع؛ وهذا يخرج عن الطريق المستقيم، وهذا ما قاله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا المقام.
  17. حكم قول المدعو: التقوى هاهنا

     المرفق    
    السؤال: كيف أفعل إذا أردت أن أدعو؟ فبعض الناس يقول: التقوى في القلب، التقوى هاهنا؟
    الجواب: صحيح أن التقوى في القلب، وهذا ما قاله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في الحديث الصحيح: {وأشار إلى صدره ثلاثاً} ولكن ما معنى ذلك؟ كثيراً ما انعكست المفاهيم في حياة الأمة؛ حتى أصبحوا يضعون الشيء في غير موضعه.
    ففي الحديث ينبهنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عدم الاكتفاء بالموافقة الظاهرة، وأنه لا بد من الخشوع الباطن، ولا بد من الانقياد الباطن؛ فأصل كل انقياد وإذعان وإنابة وإخبات ويقين وتوكل وصبر هو القلب؛ لأنه الذي يرشدنا إلى ذلك، وأما نحن فنعكس ذلك ونجعل ظاهرنا فاسداً؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول التقوى في القلب، وهذا عكس ما أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من التلاعب ومن التحريف.
    وقد يدخل فيما أخبر عن اليهود بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه؛ بل أمرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نصلح ظاهرنا وباطننا، وأن نهتم بالباطن؛ فقد يقف الإنسان في الصلاة وقفة الخاشع المنيب والقلب لا خشوع فيه؛ فيقال له: إنما الخشوع خشوع القلب.
    لكن كإنسان معرض لا يريد أن يصلي أو أن يعبد الله، ويقول: التقوى هاهنا ويذهب.. فنقول له: أين أثرها؟ وأين حقيقتها؟ نعم! التقوى هاهنا! ولهذا نقول لك: أنر قلبك بذكر الله، ولو اتقيت الله في قلبك ولان وخشع لذكر الله؛ لجعل الجوارح تنقاد، وتأتي بك إلى بيت الله، وتأتي بك إلى حيث أمر الله، وتبعدك عن كل ما نهى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذه هي الحقيقة التي لا بد أن نعرفها.
  18. حكم الدعوة إلى عدم نشر العقيدة الصحيحة

     المرفق    
    السؤال: كثيراً من الناس بل من الدعاة، يدَّعون أن الحكمة هي ترك الأمور المختلف فيها، ويعنون بذلك الأمور العقدية سواءً في توحيد الألوهية، أو ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، فما رأيكم في ذلك؟
    الجواب: إذا أخذنا بهذه القاعدة -كما ذكرها السائل- فإنه لن يبقى من ديننا شيء؛ لأن بعض الناس يقول: ادع إلى كل شيء لكن لا تتعرض للشرك، وآخر يقول: ادع إلى كل شيء ولكن لا تتعرض للبدعة، والآخر يقول: ادع إلى كل شيء إلا الربا والرابع يقول: إلا الزنا، وآخر يقول: يا أخي! نحن وإياك نتفق على أن ندعو هذا الإنسان إلى الصلاة ونترك عقيدته أياً كانت؛ فدعوناه.. فجاء يصلي، وجاء واحد من أهل البدع فأدخله في صلاة بدعية، ثم صلوات بدعية، لا أول لها ولا آخر، وقال: نلين قلبه -فقط- لله، فإذا لان قلبه لله؛ فليفعل ما يشاء.
    فلان قلبه للدين والإيمان والآخرة، وإذا به لا يتورع عن أي بدعة، إما عن جهل، وإما عن تبعية لأصحاب الضلال، فما الفائدة؟!
    فإذا كان الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أقام الخلاف بين أهل التوحيد والإيمان -كما في الآية: ((وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) [يوسف:108]- وجعله أساساً من أساسيات الدعوة، وهو البراءة من المشركين؛ أفنأتي نحن ونقول: نريد دعوة من غير خلاف؟! والله تعالى يقول: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)) [الأنعام:112]، وفي الآية الأخرى: ((وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)) [الفرقان:31]؟!
    فالدعوة لا بد لها من عدو.
    هل قرأتم أن نبياً دعا إلى الله ولم يعارضه أحد؟ وهل سمعتم أن رجلاً دعا إلى السنة ولم يخالفه أهل البدع؟! فلو تركنا الناس وأهواءهم لما استقامت لنا دعوة ولا دين.
    وأما بعض الأمور الخلافية الفرعية التي اختلف فيها الصحابة الكرام؛ فإنها لا تفرق عن الصراط المستقيم، ولا ينبغي أن نتفرق فيها وأن نختلف عليها؛ وهذا حق.
    أما التوحيد فهو الأساس، فإذا ضيعناه وقبلنا الخلاف فيه؛ فلا خير في دعوتنا على الإطلاق! وإلام سوف ندعو الناس إذا تركوا توحيد الله وأقررناهم عليه؟! فهذا غاية الجهل بحقيقة الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    والحمد لله رب العالمين.